إنها لي

الهدف الرئيسُ مِن هذه المدونة هو تأريخٌ لما أكتب، فلستُ أزعمُ أن أفيدَ بها أحداً سواي

Mar 22, 2010

جدي

لم أكن قد رأيته منذ مرضِه الأخير..
لم تُتح لي - أو لم أسع إلى - فرصة زيارتِه..
..كنتُ أخشَى أن تصطدم عيناي - ومن قبلهما قلبي - بما اصطدمتا به بالفعل حين تمت لي الزيارة
يا إلهي
ليس مَنْ سمع كمن شاهدَ حتماً
سمعتُ عن نقص وزنه،
سمعتُ عن ضعف بنيتِه،
سمعتُ أنه لا يأكل ولا يشرب
أنه يتألم كثيراً
أنه يغيب عن الوعي
سمعتُ، وسمعتُ، وسمعتُ، حتى بات السمع يؤلمني
ثم أخيراً شاهدتُ
شاهدتُ طفلاً رضيعا؛
يفرح أهله بكلمةٍ استطاع أن يحرّك بها لسانَه
أو يسعدون للقيمة دخلت فمه دون أن يطردها مرة أخرى..
شاهدت جدي مُنكسا في الخلقِ..
يعود فيحتاج من يرعاه، و يطعمه، ويسقيه، ويناوله دواءه، ويقضي له حاجته، ويجلسه، ويرفعه، و يضعه، ويربت عليه..
يعود فيفرح الأهل به إنْ تكلم، ويرددون ما قال، على أسماع من لم يسمع منهم، كي لا يفوتهم شيءٌ من أقواله الهزيلة..
ويفرحون بحسنِ إدراكِه لحقيقة ما، مما يدور حوله كل يوم، بما أوحي بصلاحية بعض خلايا مخه، واحتفاظها بوظائفها حتى تلك اللحظة..
شاهدت جدي عاجزاً..
شاهدته واهناً كسيراً..
يعاني من آلام خفية لم أدر مصدرها تحديداً، وإنْ مزقتني أهاتُ عذاباته.
شاهدته هيكلا من عظامٍ، كساها جلدٌ شاحبٌ بشدةٍ مرعبة..

هذا الرجل الوسيمُ، الأبيض، الفارع، القوي، لم يعد يملك من صفاتِه تلك شيئاً..
سبحان من بيدِه الأمر..
أسأل الله أن يشفيك ويخفف عنك يا جدي
وأن يمتعك بصحتك ما أحياك
وأن يغفر لك ولنا.

No comments:

Post a Comment