إنها لي

الهدف الرئيسُ مِن هذه المدونة هو تأريخٌ لما أكتب، فلستُ أزعمُ أن أفيدَ بها أحداً سواي

Oct 6, 2008

لو كنتَ إماماً للمسجدِ

(1)

لو كنتَ إماماً للمسْجدِ
لخبرتَ خفايا المُسْتَعبِدِ
لو كنتَ خطيباً في مسجِدِ
مِنْ أيّ بقاعِ المحروسةِ
- ذَعَروها هم أمْ حرَسوها؟!! -
لحفظتَ وجوهَ رجالاتِ الأمنِ المكتوفِ
بأسْوَدِ يَدِ
لو كنتَ إماماً للمسجدِ
لرآكَ المبعوثُ بِشَرٍّ:
جنْديُّ الأمنِ المتفرّدِ
و خلا بالنصحِ المُستَنفَدِ
لنَهَى عن معروفٍ، و أتَى
في كلِّ أوامرِهِ المُنْكرا
لنهاكَ – بِذوْقٍ – أوَّلَ ما
ينهي عن ذِكرِ الشهداءِ، و أسْرَى يحيون على ذلٍّ
في ظِلّ القهر المتجدِّدِ
------------
(2)

لو كنتَ خطيبا للمسجدِ
حثَّ عقيرتَه موقظةً:
" مَنْ يهْدِ اللهُ فذا مُهتَدِ،
"ماذا لو كنا يا قومي
في مُلكِ سليمانَ كهُدْهدِ ؟ "
لرمَوْكَ بتهمةِ تنبيه الغافلِ /
إيقاظٍ للشاردِ
----------------
(3)

كان إماماً يوم الجمُعةِ
يسعَى بالقلبِ إلى المسجدِ
يوقفه مبعوثُ الشرِّ، و يأمرُ في نصحٍ متوعِّدِ
"لا تذكرْ شيئاً عن غَزَّةَ، و الأقصَى، و بلادِ الذلّةِ "
يبتسمُ و يهمسُ في سرِّ:
" الذكرُ لبلدان العزّةِ
بسواكِ فلنْ تُبْعَثَ خطبتي"

مِنْ فوقِ المنبرِ يخطبنا
أوّل ما قالَ: "أيا قومي
مخبرُكمْ ذا لا يقرؤكم أمناً / تسليماً / أو سِلما
مخبركم ذا يتوّعدني
فيحدّد حركاتِ لساني، و هواءً يَلِجُ مسامعَكمْ..
هل صرنا يا قومِ عبيداً،
و لغيرِ الله من السُجَّدِ ؟!"

آخر ما قالَ: "أيا قومي..
أدري أينَ سأقضي يوْمي!"
--------------
(4)

لو كنتُ إماماً للمسجدِ
أتهيّبُ في الحقِّ اللوْما
فسأدعُ إمامتَه مِنْ غَدي!

Oct 1, 2008

وفاة جدتي

ماتت جدتّي لأبي..
ماتت ليلة عيد الفطر..
امرأة عجوز مسنّة، لم نعرفْها إلا من خلال حكايا أبي المستمرة عنها..
كنا ننتظر نبأ وفاتها منذ عدة شهور، لكن الله أراد أن يدّخر لها ذلك يوم الجائزة..
يوم يتسلم المسملون جوائزهم في عيد فطرهم، بعد شهر الصيام؛ لتصعد روحُها إلى بارئها فتتسلمَ جائزتَها في السماء..
النبأ متوقع في أي وقت.. الليلة عيد.. الكل نيام..
أنا أداعب أزرار حاسبي المحمول..
لربما لو كنت أنا نائمة أنا الآخرى، لما استمع أحدنا لرنين الهاتف، و لما استيقظنا إلا بطرقات عنيفة على باب شقتنا تثير ذعرنا و حزننا من بعد..
لكنني كنت هناك..
في انتظار الهاتف؛ لأرد عليه، فأجده عمي – و جدتّي مقيمة عنده منذ ثلاث سنوات - ..
ظننته يهاتفنا تهنئة بالعيد..
حتى سألني عن أبي، و طلب مني إيقاظه؛ "لأن جدتك توفيّتْ "..
أعرف أننا ينبغي أن نقول حينها "إنا لله و إنا إليه راجعون"، لن أقول إنني نسيتُ ذكرَ الله، بل قلتها، و لم تتجاوز أبدا شفتيّ..
انعقد لساني فلم تخرج منه كلمة..
لكنّ قدميّ أسرعتا بي إلى حيث غرفة أبويّ، أوقظ أبي، و كلي رغبة في ألا أوقظه!

و حينما انتفض مذعورا لهمسي الخافت له كي يصحو؛ قلت: عمي يريدك على الهاتف، فصاح مِن فورِه: إذاً ماتت أمي!
لم أشأ أن أكذّب حينها أو أصدّق قوله، و إنما تركته يذهب ليجيب هاتف أخيه، و يعرف من لدنه بنفسه..
ما عاد الكل نياماً..
استيقظوا جميعا، و بدأ أبي في الإعداد لسفر طويل إلى حيث يقوم بدفن أمه في إحدى قرى محافظة المنيا، حيث قبر زوجها و ابنتها..
---------
طوال الوقت و أنا أرقب أبي في حذر..
أتساءل كيف تأتون – معشر الرجال – بهذه القوة؟؟
أنا أنهار سريعا..
كيف استطاع أن يخفي عنا سيلا من دموع، رأيته يتوارى خلف قناع من جمود؟
كيف استطاع ادّخار كي شيء، حتى يغادر المنزل، و يذهب إلى حيث لا ترصده عينا فتاة متوجسة مثلي؟؟
لا أدري..
--------
عاد أبي..
بطنّ من إرهاق، و أطنان من أسى..
لم ننجح في الحديث إليه؛ إلا بعد عودته بيوم..
بدأ يقص علينا كيف سارت الأمور هناك..
كيف دفنها بيديه؟
كيف دخل يودّعها و هي على فراش الموت..
كيف انهال عليها بقبلاته، و عبراته..
و كيف، و كيف، و كيف..؟
ثم لم يستطع أن يخفي عنا دموعا أخرى..
خنقته، فانهمرت مسببة ذلك التهدج في صوته، و هو يواصل علينا القصَّ..
سعدتُ في البداية أنه تكلم..
أنه يقص علينا جميعا في جلسة واحدة، التففنا فيها حوله...
لكن، عندما رأيتُ دموعه لأول مرة في حياتي منذ ولدتُ، أدركت كمْ بذلَ من الجهد كي لا تخرج..
و أدركتُ معنى أنها خرجتْ الآن، و أننا رأيناها بالفعل..
معنى أنها غلبَتْه، أنها كانت قوية جدا..
تمنيتُ لو أحتضنه لحظتها، لكنني لم أفعل..
ولو فعلتُ، لبكيتُ بكاءً غير طبيعي.. و هذا آخر ما يحتاجه أبي ساعتها..

فذهبتُ لأبكي وحدي..
-----