إنها لي

الهدف الرئيسُ مِن هذه المدونة هو تأريخٌ لما أكتب، فلستُ أزعمُ أن أفيدَ بها أحداً سواي

May 20, 2007

بطولة

الرصيف المقابل يلمعُ في غواية..
ترى كم ينفق من الوقت و الجهد كي يصل إليه؟

* * *

( هو لم يمت بطلاً ، و لكن مات كالفرسان بحثاً عن بطولة...
لم يلقَ في طول الطريق سوى اللصوص
حتى الذين ينددون كما الضمائر باللصوص
فرسان هذا العصر هم بعض اللصوص!)

* * *

تقدَّم خطوة...
ممسكاً بيدها النحيفة، و مستنداً إليها باليد الأخرى..
تقبضُ على كفه، كأنه عكازها الذي يعينها على السير بعد أن خذلتها قدماها، و بعد أن خذلها ما ادخرته من مال..
تبذل الكثير من الجهد لكي تتأكد أن هذه ابتسامة شقت لها طريقاً في منحنيات وجهه، و أخاديد تجاعيده المتعرجة..
يقول:
- هيا.. كدنا أن نعبر
تبتسم بدوْرها:
- مازلنا في الخطوة الأولى يا رجل!
يدير عينيه يميناً..
السيارات لا تنتهي..

* * *

( غصنُ صفصافٍ هزيلْ
أي عكازٍ و في الدربِ ملايين الحُفرْ؟! )

* * *

تهم بالعبور..
" مهلاً"
يزيد من قوة ضغط أصابعه المتدثرة براحتها، فيوقفها لحين هدوء هدير السيارات المارقة أمامهما..
تتوقف بجانبه في يأس..
- لا أمل..
غمغمت قانطة..
- لا تقنطي, هيا..
اتخذ قراره الحاسم
لن يتردد..
يبدأ حركته البطيئة، ساحبا معه يدها، ثم جسدها كله من ورائه..
- ماذا تفعل؟ هل جننت؟!
تصيح بكل ذعرها..
و قد بدت السيارات كوحوش تتحيَّن فرصة الانقضاض عليهما، لترديهما قتيليْن..
هادئ النفسِ، يقول:
- لا تجزعي.. إن الدنيا مازالت بخير
انظري..
أشار بطرفه، فنظرَتْ..
لقد أوقفا الشارع بحركتهما الوئيدة..
أبصرَتْ سائقِين متذمرين..
يكاد السبابُ ينفلت من الأفواه، و قد استبدل به بعضُهم حوقلةً، و دعاء بإطالة الروح..

عبرَتْ معه، و القلق يقفز من قلبها، ليطل راقصاً على شفتيها:
- سيدهسوننا.. سيفتتون عظامنا..
يضحك:
- ماذا تظنين الناس؟! وحوشاً؟ ألن يرقوا لحال شيخين مثلينا، فينتظرونا قليلاً؟!

* * *

(مسكينٌ أنت، فلا تملك إيزيس لتجمع أشلاءك)

* * *

كادت عربة أن تنطلق غير عابئة ، لتجتاز السيارة التي أمامها، لولا أن أشار سائق السيارة بيده صائحاً:
- انتظرْ يا رجل، سيعبران.
ابتسمت العجوز..
بدت لها السيارات كملائكة، مصطفة في انتظار عبورها، تشيّعها بالورود و الدعوات..
هتفت:
- يبدو أنك عل حق..
مازالت الدنيا بخير..
الناس يرقون لنا، و يصبرون على عبورنا، و يكبحون جماح من لا ييسِّر لنا من أمرنا عسراً..

* * *

(الآن سنرجو الصمتْ
فهنالك بشرٌ يستقبل عتبات الموتْ)

* * *

تبقَّت خطوتان..
كادا أن يصلا..
انشقت صفوف الملائكة عن ملك الموت..
سيارة لم يلمحها أحد، اندفعت كالصاروخ، لتطيح بالرجل في الهواء بكل قسوة..
يتجمع المارة حول العجوز التي تفترش الأرض، و تنوح على زوجٍ قضى:
- كان من رجال الجيش..
كان مستعداً للتضحية بحياته في سبيل الآخرين..
لكنه راح ضحية عبور شارع.

* * *



May 10, 2007

سقوط مسمار البيت

(1)

- يُعجِزُني الضَّعفْ
و هْو عدوّي.. يستأثر بالميزاتِ و بالكلماتِ
فيسلبني الحَرفْ
- دَعْ عنك العجزْ
أنت الأقوى، فارفعْ صوتَك بالوصفْ
قل: كافرْ
قل: صبأَ الفاجرْ
و احتل بألسنة الأفعى آذانَ القومْ
و اذرفْ من دمعِ المظلومِ، و أَقْسِمْ بالكَرْمْ
و لتنْجَحْ ضرباتُ القصفْ!

..................

(2)

ظلموا حلاج القطنْ
قالوا: (قد كان حديثُ الحلاجِ عن الفقرِ قناعا
يخفي كفرَه.)
ما كان الحلاج بكافرْ
بل ناهٍ عن ظلم الظالمِ و الوالي الفاجرِ و الجُبنْ
رفض المَنْجَى بخراسان
و اختار الإيمانْ
شنقوه بكلماتٍ منهْ
صلبوه على جذعِ النخلةِ، حين تلا الآياتِ:
" و هُزِّي.."
رجموه بنَوَياتِ التمرْ
(فامضوا قولوا للعامةْ)
مات الحلاج شهيداً
مات وحيداً، يشكو – من ألمِ الجوع – نواحَ البطنْ
مات بقلبٍ صدِّيقٍ، و بثوبٍ خشنْ

..............

(3)

اقتحموا بيتي
نزعوا الأقفالَ عن الأبوابِ، و قد صهروا
مزلاج الأمنْ
(يا رب اشهدْ
هذا ثوبُك ، و شعار عبوديتنا لكْ)
قد نزعوا الثوبَ، و قد جذبوا أغطية الرأسْ
و تذوب الأجسادُ حياءً
فعل الأزواجِ بلا عُرسْ
قمتُ لكي أصرخْ:
- ما جلبكْ ؟
أستنجدُ برعاة النَّفسْ
لم يُسمَعْ صوتي
بيتي؟
يسكنه أمناءُ الرجسْ
(ها أنت تزلزلني في داري
و السوقُ يزلزلني كي أترك داري)
فألملمُ شَعري، و ألمّ المتساقط من لحم الوجهْ
و أقوم بجسدي
أدفنه بالطينِ لكي أغسل عاري
يا ضيْعة ثوب العفّةِ و الطُهرْ!

.................

(4)

- ما دينُكَ؟
- مُسلمْ
- (فلنأخذه للسجنْ... هيا يا كافرْ)
- لله الواحدِ أسلمتْ
- بل قمتَ بتفجير البرجْ
روَّعتَ السكّانَ بسيفِكَ، أشعلتَ النيرانَ، قتلتْ
- (مثلي لا يحملُ سيفا)
- تعرف ما الخوفْ؟
- الخوفُ من الله تعالى
الخوفُ من الذنبْ
الخوفُ من العين بأن تفشلَ في غضِّ الطَّرْفْ
الخوفُ من النفس الأمارة بالسو..
- الخوفُ من الموت؟؟!
- إنّ تشبث أمثالك بالدنيا يعميك عن
استيعابِ تلقي أيّ منا للموتِ بصدرٍ عارٍ
و بقوةِ قلبْ
و بكفٍّ غلّظها الضربْ
سنودّع دنياكم، و نخلّفكم فيها دِيَكةْ
تتصارعُ من أجل الفرخة و البيْض
من أجل الحَبْ
من أجل الماء، و من أجل الفسحة فوقَ
سطوحِ البيتْ!
- فليُقتلْ.. فليقذفْ بالسجنْ
- مثلُك لا يعرفُ معنى الترحيب بشيءٍ كالموتْ
- فليُحرَقْ.. فليُجلَدْ بالسوطْ
يا لك من فاجرْ!
لأزيلنّك من فوق الأرضْ
- مثلك لا يعرف إلا رحلات الصيفْ
مثلك تبهره الأموالُ، و لمعانُ الزيفْ
- و بتلك الأموال سأجعلكم ترجون الموتْ
ذُقْ يا ابنَ الكلبْ!
( و المسجونون المصفودون يسوقهمو
شرطيٌّ مذهوبُ اللبْ)

* * *
- أنهيتم عملَ اليومْ؟
- قمنا بالواجبِ.. أكرَمْنا الضيفْ!
.....................

(5)

- قل لي: ما ضرُّ اللحيةِ؟ ما جُرمُ الزيّ؟
- الجُرمُ، حُسيْنُ، يكون بأفعال الغي
(هل تسألني من ذا صنعَ القيدَ الملعون، و أنبتَ
سَوْطاً في كف الشرطي؟)
ويلك من زيِّ المسلمِ، و لسان العربيّ
- (قل لي يا شبلي)
أيصدّق أصحابي ما نُسِبَ إليّ؟
أَوَيهتُف كل الناس برأسي؟
عجبا، ما لاقوا مني حتى ألقى منهم هذا الردْ؟
- يا ابنَ المنصورْ
ما لاقوا منكَ، و لكنْ لاقوا من غيرِكْ
- تعني عملات النقدْ ؟
- هذا ما أعني، و البعض يسيرُ بخطوات الكل
- حقاً، و لتعملْ فيهم أسلحة الجندْ
- أخشى أن تعمل فيك سيوفُ الحقدْ
قل لي: هل تعلم تخطيطاً يحملك بعيدا
عن عين الظل؟!
- لا أبغي البُعدْ
(بل أبغي لو مدَّ المسلمُ للمسلمِ كف الرحمة و الودْ)
- يا بُغيةَ صدقْ!
لكنْ ما كل البُغيات ، صديقي، يبلغها الفردْ
بعض البغياتِ تُرَدْ
و البغيُ يُمَدَّدُ، و يُمَدّْ!

.................

(6)

مَنْ كان طريداً فليُسرعْ بالظعنْ
من كان غنياً، فليرتعْ بالألعابِ ، و بالنكتةِ، و بحلِّ اللغزْ:
( ما أجدي ما يطعنُ مَنْ طعنَ عن الطعنْ!! )
منْ كان فقيراً فليقنَعْ باللعن!
و ليُرجَأ ثأرُك حتى يأتيَ يومْ
تبصرُ جبلا منفوشاً كالعِهنْ
و تذوق الضأنْ!
(أعلمُ.. أعلمُ.. أعلمُ..)
هم – للأسفِ – يديرون الشأنْ
هم مرضى البترولِ، و مصّاصو آبار النفطْ
هم بعض دواعي السخطْ
لكنْ، ليس لهم جناتُ العَدنْ

................

(7)

- أأصابك من شيطانكَ مسْ؟
أتبيع حياتك، و بثمنٍ بخسْ؟
- قمنا بطلاء أظافر وجهَ الشمسْ
و صنعنا عطرَ القمر بما استخلصنا من أزهار الكونْ
و ثقوباً سوداء رَدَمْنا، كي لا تبتلعَ الأمسْ
و ضربنا الجَرْس
أيقظنا النجمَ النائمَ في ركن الليلْ
ثم أدانتنا أقوالُ القَسْ
و أخيراً حاكَمَنا العالَمُ بالحبسْ
مَنْ لا يعلم سار وراء العلم الجاهلِ
فأدان الدينَ و لونَ البشرةِ و الجنسْ
(قالوا: صيحوا زنديقٌ كافرْ
صحنا: زنديقٌ كافرْ)
و بهذا كنا أُفْهِمنا الدرسْ
و علمنا أنَّ قوانين فضاء السَّرْمدِ تسري بالعكسْ!

...............

(8)

(يا شيخْ.. قل لي: من أنتْ؟
أنت الشيطان؟
بل أنت ملاكٌ .. جبريلْ
بل أنت وليٌ من أهل الله.. من أنت؟
من أنتْ؟)
أنا رجلٌ ظمآنُ، أذاقوني الخمرَ مبللةً بلُعابِ الموتْ
يا ويلي، قد ذقتُ الكأسْ!
حُرّاً، أهمسُ في نفسي:
- "سأغادر بلدي..
سأغادر هذا الكون بأسرهْ."
عجباً، ما الحريةُ في الهمسْ؟!
سأبيع حياتي
بالثمن البخسْ
سأبيع حياتي
و الحظَّ النحسْ!
..............
(9)

ها أنا قد عدتْ
لا تسألني فيمَ عودتيَ الآن، و قد كنتُ أبَيْتْ
لا تسألنِ عن العدلِ أو العونْ
بل سَلني – إن شئتَ – عن الظلمةِ بالكونْ

أبْصِرُ مَزْقَ ثيابٍ ، خِرَقاً باليةً كانت
في يومٍ أستاراً
تحجبُ نافذةَ البنتْ
مسمارٌ سكنَ الباب سنيناً
كمُعينٍ في حفظِ الأمنْ
هاهو يتمدّدُ مقتولاً
قدَّام الآثار المرئيةِ حين رأيتْ:
آثارِ البيتْ!

بالإسدالِ المتهتِّكِ.. صلَّيتْ
من أجل التوبةِ، و بكيتْ
هلا قمتَ معي
و رفعتَ إلى الله الكفَّ عليّاً
و دعوتْ؟؟!