إنها لي

الهدف الرئيسُ مِن هذه المدونة هو تأريخٌ لما أكتب، فلستُ أزعمُ أن أفيدَ بها أحداً سواي

May 16, 2008

جهاد

كانت أولَ مرة أرى فيها رجلاً مبتورَ الساقيْنِ..
قشعريرة قوية سَرَت في جسدي، و أحاسيس شتى أطلت من عيني، قبل أن أسمح لنفسي بإنهاء الزيارة، بُعَيْدَ ابتدائها بثوانٍ قليلة..
"يا إلهي"..
تبادلنا النظرات..
كلنا نحمل ذاتَ المشاعر..
غضب مكتوم، رغبة في ثأر، إشفاق و رقة شديدة، ذهول مشوب بعجب..
"إنه لذو حظ عظيم.. اختاره الله ليبتليه، فصبر و شكر"
هكذا قلتُ.. فوافقوني الرأي جميعا، و أعادوا على مسامعه كلمات التثبيت و التأييدِ – التي عجزتُ أنا عنها – مع دعاءٍ بالنصر و الفرج القريب..
و غادرنا..
كما جئنا.. غادرنا..

* * *

يصلِّي على كُرْسيِّه..
ينظرُ إلى موضعِ قدميْه الخالي، و يبكي..
حوارٌ قديم، تديره الذاكرةُ في عقلِه:
صوتٌ جهور:
" يختارُ الله منا الأمثلَ فالأمثل.."
يرى نفسَه جالسا وسْطَ أقرانِه..
الرجل الذي يخطب فيهم يتابع:
" مُصعَب استُشهِد؛ لأنه كان يقوم الليلَ بستة أجزاء."
يدير فيهم عينين من ماس، هاتفا:
"من منكم يقوم الليل بستة؟؟"
يجيب الشاب في داخله، بتخاذل:
"أنا أقوم بأربعة.."
"لا، ليس بعد.."
قالها الخطيب في قوة، و كأنه سمعَ ما دار في خلد الشاب، أو قرأه في عينيه..

* * *

"الله أكبر"..
- أريد الشهادة..
- ليس بعد..
- أنا أقوم بأربعة..
- ليس بعد..
- لا قيامَ لي بعد اليوم..!
- جاهد بيديك و ما بقيَ من جسدك..
جاهد بقلبك و عقلك..
جاهد بصبرك و علمك..
جاهد
جاهد
جاهِدْ

* * *

لم يزُرْه أحدٌ بعدَها..
قد مات..
مات على فراشِه..
مَبْتورَ الساقَيْن..
شهيداً.

* * *