هل تذكُرُ يَوْمَ رحَلْتَ بعيداً ؟
كنتُ أنا بالصفِّ الثاني.. تلميذةْ
- ذكراك أبي جدّ عزيزةْ -
فأردْتَ بنهَمٍ أن تشبَع
و تقَرِّرُ حين تجالسني
أنْ فَخْذُكَ لي أحْنَى مَقْعَدْ
و أقرِّرُ حين تهدْهِدني
كتفاكَ أبي، خيرُ المضجَعْ
كفّايَ بكفِّكَ، تصحبني
- كأعزِّ صديقٍ – تأنسُ بي
أوَتَذْكرُ هَلَعَك في مرضي؟!
يومٌ ليست تمحوه الأيامْ
"لابد ستؤذي"..
أتَمنَّع
" انْظُرْ ".. أتواثبُ فوق الأرضْ؛
- إثباتُ البُرْءِ من الأسقامْ -
أقْسمْتَ بأنَّ الإبرةَ لا تؤذي
فانشرح فؤادي
" أبتِ لم يَغْرُرْ بي، مُذْ ميلادي! "
لم تملُلْ يوماً أن تَقْصُصَ، فعسايَ أنامْ
و لِرَكْبِ النومِ، أبي، قصُّكَ أشجَى حادي
* * *
في كل بُيوتَاتِِ المشرقِ، للذكرِ على الأنثى التفضيلْ
في بيتِك.. للبنتِ التدليلْ !
في بَيْتِكَ ترفَعُ شأنَ الفتياتِ جميعاً بي
تطلبُ مرضاتي حين أميلْ
لا تُحْسِنُ سِنَةً ، و أنا أبكي ساقاً مبتورة
لعروسٍ نال أخي منها..
تضربُه، تسرع محموما في الحرِّ أو القرِّ، و تجفو مضجعَك الناعمَ، من أجلي
و العُتْبَى هَدفُ التقبيلْ
في العملِ ، لَدَى كلِّ زميلْ
مفضوحٌ بهيامِك بي!
لا أُذْكَرُ إلا و اسمي مقرونٌ بعيونِ أبي
مسبوقٌ بأعزِّ و أجملِ ألقابي
بالروح و بالقلبِ و بالعقلِ
و "حِبُّ أبيها" ..
و كأنْ لم يُنجِبْ غيرُكَ بنتاً
و كَأنْ لا قَبْلَ و لا بَعْدَ البنتِ سليلْ !!
* * *
قاتلها الله بلادَ النِّفْطْ
حينَ تفرِّقُ بين الأبّ و طفلتِهِ
حين تغَيِّبُ أبّاً عن حفلِ وداعِ طفولةِ زهْرتِهِ
و استقبالِ شبيبتها
حين تضيفُ إلى أسوار الهيبةِ و وقارِ الشيْبِ جبالاً
و تقيمُ سدوداً بين مشاعرَ بالقلبِ ، و تقييد الشَّرْطْ
و تبيحُ – بزعمٍ منها – إبداءَ الحقدِ، و إعلاءَ الغَمْطْ
و تحرِّمُ للرحمةِ غيرَ التقتيلِ، و سجنِ قليلٍ منها و الفَرْط
أبتِ.. إنّي في عزِّ الحوْجِ إليْكْ
تَجْمَعُ أموالاً.. أعلمُ..
يلعَنُها اللهْ
تَصِلُ اليوْمَ بغَدِكَ المكرورِ، بلا نَوْمْ
و تؤاكلُ وحْدتَكَ ، و كل الأكل بلا طَعمْ
أو عذْبُ الطعم و لا يَتَذوَّقهُ الفمْ
ما الجَدْوى؟
ما النفعُ بكَنْزٍ تحيا مغموماً تكنِزُهُ
و الكيُّ نصيبُ الأبدانِ غداً، أو بَعْدَ الغدْ
و الغيرُ يبدِّدُه في غمْضةِ عَينْ ؟
و تضاجع غربَتَك، و موفور الهَمّ
أعلمُ.. يرحمُك اللهْ
و كنوزٌ أخرى كانت بينَ يديْكَ، فَلِمَ أبَتِ هَجَرْتْ؟!
يلعنُها الله
أسباباً تُقْصيكَ عن الزوْجِ، و تُنْسيكَ الرهْط
هذي ابنتُك و قد نضِجَتْ
آن أوانُ القطفِ، و لا رَيّ هناك ، و لا غيرَ الدودِ و آفاتِ الغَيْطْ
أبتِ.. هذي ابنتُك .. نَسِيتْ؟!
رَيْحانَتُكَ الظمأى
"حِبُّ أبيها"..
أينَ، و لا أين يغيبُ الحُب؟؟
ما تفعَلُ كلماتٌ مِنْكَ على شاشةْ ؟
ما تُغْني مراسلتُك عن دمعي شيئاً..
ما يفطنُ صوتُك في الهاتف للأمر الشاغلِ تفكيري
عمَّ أحدِّثُك؟ عن الرقةِ ؟
عن فطنةِ والدِ زوج كليمِ الله؟
و حياءِ فتاتَيْن تذودانْ..
عن بئرٍ لا يُصْدِرُ أمَّتُها..
والحلق يجفُّ، و يوماً بَعْدَ اليَوْمِ تقطَّعَ طلباً للماء؟
عن أبٍّ.. يُحِْسنُ تفسيري
و أعلِّقُ في إبطيه ذراعي، حين نرود المطعمَ ليلاً
تسأله أمي: "أين؟ و فيمَ خروجُكما الآن؟"
فيجيبُ ببسمٍ منه عريضْ:
"سرٌّ بين حبِيبَيْن، يوَدّان الكتمانْ! "
عن حلمي ... طرقاتُ أبي بالبابْ..
يلمحُ نظرةَ عيني، دون أحَدِّثُ.. يسألُ:
عن أيّ شباب الجامعة أبالي؟
أهرُبُ من عينِكَ في خَجَلٍ
و بعيني يلتمعُ جوابي
آهٍ يا أبتِ..
و بأيِّ حديثٍ تؤمِنُ لي؟
و بأي شفيعٍ - من دونِ الآلامِ - سترْضَى بالحالْ؟
و تعودُ لأحضاني.. تُنفِقُ رفقاً و حنانًا و سؤالاً
لتوفَّى الأجرَ بغيرِ حسابْ ؟!
* * *